azzajabr

Monday, January 31, 2005

هنــــاء

تلاقت العيون، وهمس ما بين الضلوع، (نعم موافقة) هكذا فهم من عيونها، أو هكذا أراد أن يفهم، ابتسم ابتسامة خفيفة فاحمر وجهها خجلاً ومضت تسرع الخطى نحو منزلها والفرحة تكاد تطير من عيونها، جلست في غرفتها تفتش عن أحلام المستقبل، تحبه؟؟ نعم فحين تراه تحس بأحاسيس غريبة، كثيراً ما سألت عنها وعرفت انه الحب، نعم تحبه وتتمناها زوجاً صالحاً وأباً حنوناً، هل تراه فهم موافقتها؟! آه لخجلها هذا تركته وأسرعت لربما سألها مباشرة ودون كلام العيون، نعم لقد سألها بعيونه أتتزوجينني؟؟ فهل فهم هو ردها؟!!
باتت تلك الليلة تفكر وتفكر وترسم الأحلام وتتخيل الأيام القادمة، حتى جاءت خيوط الفجر لتوقظها من أحلامها وتبدأ معها يوماً جديد.
تخرج هناء كعادتها كل يوم إلى جامعتها وتعود بالمساء ونادراً جداً لا يكون أحمد الذي يسكن بجوارهم لا ينتظر عودتها، لم تعتد الحديث إليه رغم أنهم لعبوا سوياً حين كانوا أطفالاً ولكنهم اليوم ليسوا أطفال، في هذا اليوم وصلت هناء ونظرت نحو نافذة احمد فلم تجده، شعرت ببعض القلق وقالت لنفسها ربما مازال في العمل، دخلت المنزل بهدوء وطرحت التحية على الموجودين واتجهت مباشرة نحو غرفتها، تبعتها أمها وسألتها: ألن تتناولي طعامك؟؟
هناء: لا يا أمي لقد أكلت بالجامعة
الأم: إذا اسمعي، لقد اتصلت اليوم جارتنا أم أحمد وهي ترغب في زيارتنا
هناء: وماذا في ذلك يا أمي؟؟ إنها دائماً تأتي لزيارتك
الأم: (بصوت منخفض وبابتسامة خفيفة): اليوم الزيارة ليست مثل كل مرة
هناء: (وقد احمرت وجنتاها): كيف؟ أعني لماذا؟؟ وما دخلي أنا؟؟
الأم: إنها ستأتي لخطبتك لابنها أحمد
أحست هناء هنا بتوقف قلبها لثواني لكنه سرعان ما عاد يخفق وبسرعة أكبر
هناء: يخطبني أنا؟؟
الأم: (بزهو) نعم أنت وأين سيجد أفضل منك؟؟
سكتت هناء ووجهها الأحمر يفصح عما في داخلها، تعلم أنها لا تستطيع أن تخفي شيئاً عن أمها، ابتسمت الأم وقالت: ونحن لن نجد أفضل من أحمد فهو شاب متعلم ومتدين وعلى خلق.
وتركتها وخرجت، لترحل في أحلامها إلى دنيا أخرى إلى عالم لا يوجد به سواها هي وأحمد، تنتظر الغد لتأتي والدته تخطبها له، ياه ماذا ستفعل ستحمر وجنتاها وستتلعثم بالكلام ولن تستطيع أن ترفع عيناها بعينيه، نامت ليلتها وهي ترسم وتخطط ماذا عليها أن تفعل.
استيقظت في اليوم التالي وعلامات السهر بادية على وجهها فهمت أمها السبب فضحكت ضحكة خفيفة وقالت لها: كلنا مررنا بهذه التجربة لا تخافي ستسير الأمور على ما يرام
هناء: ومتى قالت أنهم سيأتون؟
الأم: اليوم الساعة الرابعة
هناء: وهل أستطيع أن أكون جاهزة الساعة الرابعة؟؟
الأم: جاهزة؟؟ وماذا ستفعلين حتى تكوني جاهزة؟؟ يا ابنتي الأمر أسهل مما تعتقدين، ثم أنهم يعرفونك جيداً وأنت تعرفينهم جيداً وهم ليسوا غرباء عنا
تركتها أمها وذهبت لتكمل عملها في البيت وهناء ما تزال تفكر ماذا ستلبس؟ وماذا ستفعل وماذا ستقول يبدو أن هذا أصعب امتحان تمر به.
مرات الساعات وحان موعد الزيارة وفي الرابعة تماماً كانت أم أحمد وزوجها وابنها أحمد جالسين في غرفة الضيوف يتحدثون إلى العائلة، وهناء لا تجرؤ على الخروج من غرفتها، وبعد حوالي ساعة من جلوسهم خرجت بعد إلحاح من أختها عليها لتترك الخجل قليلاً، دخلت عليهم وطرحت السلام، قامت أم أحمد بتقبيلها وعناقها بشكل شديد فهي تحبها منذ كانت طفلة صغيرة وها هي اليوم تصبح عروساً لابنها البكر، جلست ودقات قلبها يكاد يسمعها الجميع، أخذ الأهل بالحديث وكأنهم يتعمدون فسح مجال لها ولأحمد للتحدث قليلاً، همس أحمد: كيف حالك
هناء: بخير
أحمد: لم أعلم أنك خجولة لهذا الحد
هناء (والخجل يملئ وجهها): أنا لست خجولة جداً ولكن…
أحمد (وهو يبتسم ابتسامة خفيفة): ولكن ماذا؟ عما قريب ستصبحين زوجتي يجب أن تخففي من هذا الخجل قليلاً
(زوجتي) هذه الكلمة أضاعت كل كلماتها وزادت من خجلها، ضحك أحمد ضحكة خفيفة وقال: هل تذكرين حين كنا نلعب سوياً
هناء: طبعاً، كنت دوماً تضربني بالكرة وتؤذيني
أحمد (يضحك): لم أكن أقصد أن أؤذيك أنت كنت كثيرة البكاء
هناء (بغضب مصطنع): أنا، أنا كثيرة البكاء
أحمد(بمزاح): لا لا تبكي الآن
كانت أروع لحظات حياتها تلك التي جلست تحادثه بها، خرج أهل أحمد على أن يتم عقد القران بعد أسبوع ليتمكن أحمد وهناء من الخروج سوياً لتجهيز أنفسهم للزواج.
بدئت الأيام تمضي بطيئة وكل منهما يحلم بالآخر، كيف سيكون البيت والأولاد وحياتهم بالتأكيد ستكون سعيدة.
وفي تلك الليلة حيث لم تستطع هناء إطباق جفونها كالعادة وهي تفكر وتفكر فقد اقترب موعد عقد القران فلم يبقى إلا يومان، خرجوا صباح هذا اليوم ليشتروا خواتم الخطوبة كم كانت سعيدة وهي معه كانت تسترق النظر إليه بين الفينة والأخرى، بعد يومين سترتدي خاتم الخطوبة وسيكون كل شيء على ما يرام، صحت من حلمها فجأة على أصوات في الخارج أطلت من النافذة إنهم جنود الاحتلال ما بلهم يطوقون بيت أحمد بهذا الشكل أحست وكأن كل الجنود في المنقطة، انخلع قلبها فلا يأتي من هؤلاء غير المصائب. فتحت أمها الباب فجأة لتخبرها أن الحي كله محاصر يبدو انهم سيعتقلون أحد
هناء: انهم يحاصرون بيت أبو أحمد
الأم: لا تقلقي إن شاء الله خير
تجمعت العائلة حول النوافذ يحاولون استطلاع الأمر، صرخ بهم الأب أن يبتعدوا كي لا يراهم الجنود فجأة صرخ الصغير أيمن: أبي أمي انهم يعتقلون أحمد
الأب: استر يا رب، لا تقلق يا بني
تركض هناء نحو النافذة لترى نعم إنهم يعتقلونه أحست أن الدنيا تلف بها، لماذا يأخذونه، قدماها لا تساعدانها على الوقوف أسندت نفسها إلى أقرب كرسي، أحست بها أمها فأقدمت عليها مسرعة
الأم: لا تقلقي يا عزيزتي ادعي له
لم تستطع أن ترد نزلت دموعها تملئ وجهها، وبدئت تتمتم بالدعاء والكلمات تكاد تختنق في حلقها
لم تنم ليلتها ولكن هذه المرة ليست ككل مرة لم تحلم بالبيت والأولاد، كانت تفكر في مصير أحمد وكم سيمكث في السجن، خيوط الشمس جعلتها تدرك أن الصباح قد شق طريقه ليوم جديد، خرجت من غرفتها لتجد كل أفراد الأسرة مستيقظين يبدو انهم لم يناموا ليلتهم، وما أن اخترقت الشمس كل السماء حتى كانت أم هناء عند بيت أحمد تسأل عما حصل
أم أحمد: لم نعلم ماذا حصل صدقيني فأحمد لم يخبرني يوماً أنه كان يعمل ضد الاحتلال
أم هناء: فك الله أسره، ولكن ماذا ستفعلون الآن هل علمتم أين أخذوه
أم احمد: اتصلنا بالصليب الأحمر وأخبرنا أنه في حال توفر معلومات سيخبرونا بها
أم هناء: لا تقلقي كل شيء سيكون على ما يرام
ومرت الأيام بعدها وهم لا يعلمون مصير أحمد، عرفوا أنه بالتحقيق ونسب إليه اتهامات كثيرة، وأن هناك الكثيرين ممن اعترفوا عليه، ويبدو أن حكمه لن يكون مخففاً اطلاقاً فهو متهم بالتخطيط لقتل مستوطنين وهذه وحدها تعطيه من المؤبدات الكثير
تجلس هناء ساهمة دوماً لا تأكل ولا تشرب خسرت الكثير من وزنها في الأيام القليلة هذه ولا أحد يستطيع أن يمحو الحزن عن وجهها، دخل عليها والدها وهي شاردة الذهن
الأب: ما بالك لما كل هذا الحزن
هناء: أنت تعلم أكثر مني
الأب: لدي أخبار لك، في الغد محاكمة أحمد
هناء: اعرف ذلك أخبرتني به خالتي أم احمد
الأب: وماذا ستفعلين
هناء: سأذهب معهم للمحكمة بعد إذنك طبعا
الأب: يا بنتي أحمد سيحكم على الأقل بمؤبدين وهذا يعني…
هناء: يعني ماذا؟؟ أنا لن أتخلى عنه
الأب: أفهم مشاعرك ولكن هل ستبقين في انتظاره العمر
هناء: نعم الكثيرات انتظرن ولست الوحيدة
الأب: لكن وضعك مختلف، أنت لم ترتبطي به رسمياً بعد
هناء: لا يا أبي، لقد عاهدت نفسي ألا أكون لسواه
الأب: أرجو أن تراجعي نفسك، لن أغصبك على شيء فهذه حياتك ولكني أريد لك الأفضل، فأنا لا أستطيع أن أراك تتعذبين كل يوم وأنت تنتظرين، والله أعلم سيخرج أم لا
هناء: أرجوك أبي لن أغير موقفي
كانت هناء مصممة على موقفها فهي لن تتخلى عنه، حين أشرقت الشمس كانت هناء جاهزة للذهاب إلى المحكمة مع عائلة أحمد، أنفاسها تتصاعد وقلبها يكاد يقف، وصلوا قاعة المحكمة جو من الكآبة يحيط الجميع فالكل ينتظر مصير أبنائه، جلست هناء وعيناها تنتظران دخوله، هاهو يدخل يداه مكبلتان عيونه يملؤها الإصرار، فرحت عيناه حين رأتها وقفز قلبها نحوه ليخبره أنها لن تتخلى عنه
بدئت المحكمة وألقى القاضي الاتهامات وأطلق حكمه مؤبدين وخمسون عام، كان الحكم كالصاعقة على الجميع بلبلة داخل المحكمة، ووسط هذه البلبلة وقفت هناء وقد زال خجلها المعهود لتطلب من القاضي التحدث، قالت دون أن تنتظر سماحه لها بالحديث: أيها القاضي اسمح لي بطلب صغير جداً
هز القاضي رأسه بالإيجاب، فقالت بعزم أكبر: أنا هناء من المفروض أن أكون خطيبة أحمد، قد تستغرب طلبي الصغير ولكن لو لم تعتقلوا أحمد لكانا الآن سوياً نحضر لعرسنا ولكن للأسف فأنتم لم تمهلونا حتى أن نرتدي خاتم الخطوبة، طلبي أن تسمح لي بإلباس أحمد خاتمه
ودون أن تنتظر الرد أسرعت الخطى نحوه والجنود مذهولين من طلبها، ألبسته الخاتم وألبسها خاتمها ويداه ما تزالا في القيد، انطلقت الزغاريد من كل مكان في المحكمة ولم يستطع الجنود السيطرة على الموجودين، أخذ الموجودين يغنون: (يما مويل الهوا ويما مويليا ضرب الخناجر ولا حكم النذل ليا)