azzajabr

Sunday, August 17, 2008

وطن

تمطر السماء ببطئ شديد وكأنها تطرق أبوابنا بهدوء، تبدو السماء كئيبة أو هكذا تشعر فاطمة، هذه ليست المرة الأولى التي تشترك فيها بعملية، ولكن يبدو أن الوضع مختلف الآن، فهي لم تعتد على مثل هذا النشاط فقد كان عملها يقتصر على أمور ثانوية كتوزيع المنشورات وتنظيم المظاهرات لكنها اليوم تقبل على ما هو اكبر، استيقظت من سرحانها على صوت زوجها حسام: فاطمة، هل أنت خائفة؟؟- لا لا يا حسام أنت تعرف بأني لا أخاف هذه الأمور ولكن………- لكن ماذا؟؟ إذا رغبت أن تقوم زميلة أخرى بالعملية لا بأس- زميلة أخرى؟؟ لماذا أنا لست خائفة أبداً، كل ما هنالك أنني لا أعلم لماذا تم اختياري أنا للقيام بهذه العملية- أولا يا عزيزتي لأنك فتاة وملامحك لا تدل على انه من الممكن أن تحملي معك قنبلة، ثم أنك حامل وهذا سيبعد عنك الشك، ثم أن العملية ليست بتلك الصعوبة، ستدخلين المكان المقصود وتضعين القنبلة وتخرجين وكأن شيئاً لم يحصل وكأنك لم تفعلي شيء تذكرت فاطمة حملها وبدأت ملامح هذا الطفل الذي سيأتي بعد أشهر قليلة تترسم أمامها وترتسم معه صورة لوطن جميل فتبتسم لتلك الصورة الرائعة وطن حر لطفل سيولد حر - أين ذهبت؟؟- أنا هنا حلمت قليلاً بطفلنا، لم نتفق حتى الآن على الاسم- حين يأتي سيأتي اسمه معه لا تستعجلي الأمور - حسناً سأذهب للنوم حتى أكون مستعدة لمهمة الغد- تصبحين على خير، سأبقى هنا قليلاًغادرته بابتسامة عريضة، تحب هذا الرجل فهو ليس زوجها فحسب هو الصديق والأخ والأب وهو من وضع قدمها على طريق النضال هو من أعاد إليها الثقة بأن فلسطين ستكون يوماً ما لنا، وضعت رأسها وحاولت النوم دون جدوى كلما أغمضت عيناها ترى شظايا قنبلتها تنفجر فيها، وتارة ترى وجه طفلها يبتسم ويشكرها على الحرية، استسلمت للنوم أخيراً وأحلامها لا تفارقها……- صباح الخير يا عزيزتيتفتح عيناها وترى وجه حسام وابتسامة رائعة تملئ وجهه الجميل - صباح الخير يا اجمل زوج في الدنيا- أعددت لك طعام الإفطارتبتسم له ابتسامة شكر وتنهض من سريرها لتبدأ يومها الشاق الذي انتظرته منذ شهور، تتناول معه طعام الإفطار ويطمئنها بأن كل شيء سيكون على ما يرام فكل شيء محسوب والعملية ستكون ناجحة بإذن الله.خرجت فاطمة وحسام إلى حيث الاتفاق لتستلم القنبلة، وعلى الرغم من أنها تدربت جيدا على توقيتها وتدربت أيضا على حمل السلاح واستعماله إلا أنها ارتبكت قليلاً مما جعل حسام يسألها للمرة الأخيرة: هل أنت متأكدة من انك تستطيعين؟؟- نعم متأكدة لا تقلق سأكون على ما يرام حملت القنبلة وأخفتها في حقيبتها وانطلقت، وعلى حواجز التفتيش لم يشك الجنود بأنه من الممكن لسيدة حامل بطفل أن تحمل أيضاً قنبلة، وصلت المكان المقصود وزرعت قنبلتها وانطلقت عائدة، أحست أن كل العيون تراها، نعم لم يكن هذا الرجل لينظر إلي هكذا لولا أنه رآني أضع القنبلة، لا لا اعتقد، حتى نظرات الجنود على الحواجز أحست بأنها مصوبة نحوها وكأنهم فهموا ما فعلت، وصلت البيت أخيراً وجدت حسام ومجموعة من الزملاء ينتظرونها ويسمعون الأخبار تزف لهم خبر نجاح عمليتهم فتنطلق أصواتهم بفرح الأطفال يوم العيد، نعم هو العيد لهم…………- الطفل ذكر هكذا اخبرها الطبيب- حقاً- نعم، ولكن عليك ألا تجهدي نفسك أنت في شهورك الأخيرة لم يتبقى سوى شهرين وتضعين حملك إن شاء الله- إن شاء اللهخرجت من عند الطبيب وهي ما تزال ترسم صورة ذلك الطفل، سيفتخر بها وبوالده بالتأكيد، ستخبره بأنها وضعت القنبلة وهو معها، تصل البيت تعد الطعام وتنتظر حسام - فاطمة (يناديها حين يدخل البيت)- أهلا حسام، ماذا بك لماذا وجهك مصفر هكذا- لقد اعتقلوا أيمننزل الخبر عليها كالصاعقة- ولماذا أيمن، إن نشاطاته خفيفة جداً - لا أعلم من الذي وشى به، ولكن الخوف ليس على أيمن بل عليك- أنا؟؟ لماذا؟؟- لأن أيمن اعتقل على خلفية العملية التي قمت بها، يبدو أن هناك معلومات كثيرة تسربت لهمأفزعتها هذه الفكرة كثيراً وباتت تلك الليلة وهي تفكر فيما يجب أن تفعل لو تم اعتقالها، وهذا الطفل الذي سيولد بعد شهرين؟؟ يا إلهي ألطف بي يا الله يا الله واستمرت تدعو الله إلى أن أغمضت عيناها قليلاً وراحت تحلم وتحلم شمس مشرقة طفل جميل الملامح عيونه تلمع من شدة الذكاء، يقطف لها أزهار الأقحوان البري ويهديه إياها، تحلم وتحلم، إلا أن الحلم لم يكتمل وكعادتهم يسرقون حتى الأحلام، طرق متواصل على الباب، يبدو أن حسام لم ينم فهو ينتظرهم، فتح الباب بسرعة قبل أن يكسروه دخلوا البيت وكأنهم التتار ينظر الضابط إلى وجه حسام بتمعن - أين فاطمة- في الداخل، ماذا تريدون منها؟- أنت زوجها؟- نعم تخرج فاطمة وقد ارتدت ملابسها استعداداً للانطلاق معهم، يطلب الجندي هويتها وحينما يتأكد بأنها المقصودة يأمر جنوده بأن يضعوها في سيارة الجيب، ويبقى حسام وحيداً ينظر إلى الدمار الذي حل في البيت ويعتصره الألم على زوجته وطفله الذي لم يرى النور بعد………- ما بدك تعترفي؟؟- بشو اعترف؟؟- بالقنبلة إلي حطيطيها؟- أنا ما حطيت شي، - اسمعي يا … احنا عنا كلشي وبنعرف كلشي، وما بدنا إلا تحكيلنا مين الي أعطاك القنبلة، وبوعدك ما راح نحبسك- انا ما حد أعطاني اشييضربها على وجهها بقوة - اسمعي انا لحد الآن منيح معاك والله اذا ما بتحكي غير انزل الطفل الي ببطنكيبدو أنه قرأ ملامح خوفها على طفلها- آه شو حكيتي- ما بعرف اشي واعمل الي بدك اياه، لو الله كاتب عمر لابني بعيش - - شكلها المنيحة ما بتنفع معاكخرج وعاد ومعه رجلان قبيحان وكأنهما ثوران هائجان تركهما معها وخرج……يبدو أن كثرة التعذيب أثرت على صمودها وخوفها على طفلها الذي أصبح فعلا بخطر جعلها تعترف بالقيام بالعملية لكنها بقيت مصرة على عدم الاعتراف بمن كان معها ومن نظمها، شهر من التعذيب وقدمت للمحاكمة لم تتوقع حكماً أقل مما أعطي لها الكثير من المؤبدات صرخت بعض النساء في المحكمة هرعت أمها لتمسك بيدها وتطمئن على صحتها وصحة جنينها بقيت عيناها معلقتان بعينيه وكأن نظراته تعتذر لها- لا يا عزيزي ليس ذنبك (حدثته بعينيها)- كان يجب أن نكون سوياً الآن نجهز لطفلنا الذي سيأتي بعد شهر - لا تقلق سأكون أنا وهو بخير ودعها بهدوء كعادته واقتادتها المجندة نحو سجنها، كان السجن يضم ست فتيات كل واحدة منهن تنتمي إلى تنظيم وكل واحدة منهن من منطقة معينة ولكن يجمعهم أنهم يحبون الوطن، رحبوا بها وكأنهم يعرفونها منذ فترة طويلة، أقدامها لم تستطع حملها فانهارت عند أقرب فرشة لتنام وتنام وتحلم بذلك الطفل الصغير وتلك السماء الزرقاء…………مرت الأيام عليها في تلك الغرفة الصغيرة التي تشترك فيها مع زميلاتها اللواتي أصبحن عائلتها، تلك الغرفة التي تفتقر لكل معاني الإنسانية فالحمام غير صحي والماء غير متوفر باستمرار، نظافة معدومة، احتقار بالمعاملة. ومع اقتراب موعد وضعها للطفل زاد تعبها وزاد خوفها من تلك اللحظة، تلك اللحظة التي انتظرتها كثيراً لكنها كانت تحلم بأن يولد طفلها حر طليق في وطن يخلوا من أسوار وسجون وحواجز، لكنها اليوم تخاف من نظرات عيونه كيف ستخبره أنها وضعته في السجن كيف ستخبره أنها وضعته وهي مكبلة اليدين لا تقوى على تحرير يديها، آه كم صعبة تلك اللحظة كم تخاف من سؤال ذلك الطفل حين سيسأل لماذا أنا هنا؟؟ أين أبي أين جدتي أين ألعابي وأين يعيش باقي الأطفال؟؟؟وحانت تلك اللحظة ألم بدأت تشعر به قليلاً قليلاً ثم يزيد استيقظت زميلاتها وبدأن بدق الباب حتى تسمع السجانة وتأتي لنقلها إلى المستشفى، لكن السجانة أمرتها أن تؤجل الأمر للصباح لأنها لن توقظ أحد الآن، واستمرت الآم تعتصرها وهي تقاوم فتحت السجانة الباب ومعها اثنين يبدو أنهم من المستشفى نقلوها بعد أن تأكدوا من أن يديها مكبلتين ووضعوها في سيارة وانطلقوا نحو مستشفى السجن، وهناك وضعت ذلك الطفل الجميل الذي لطالما حلمت به وبابتسامته الرائعة.عادت إلى سجنها بعد يومين وهي تحمل طفلها وباستقبالها كانت الزميلات يغنين ويرقصن فرحاً بهذا الطفل الذي سيعطيهم أملاً في غرفهم المظلمة الموحشة- ماذا ستسميه (سألنها الزميلات)- وطن سأسميه وطن لطالما حلمت بالوطن

0 Comments:

Post a Comment

<< Home