azzajabr

Sunday, August 28, 2005

لكل منهم حكاية

محمد نبيل

كثيرون منكم سيستغربون وسيسألون من هو محمد نبيل، ربما لا يكون من الشخصيات المشهورة المعروفة، لكنه يمثل الكثير ويعبر عن الكثيريين
انه محمد ابن الثالثة عشر يعشق الحياة ويحمل في قلبه حباً كبيراً لكل ما حوله، لو رأيته مرة لن تستطيع نسيانه ما حييت، عيناه تشعان ذكاءاً وفطنة، مليء بالفرح والحركة والحياة، يعرف كيف يجاملك وكيف يكسب قلبك...
هو صغير العائلة وصغير الحي أيضاً لذلك أطلق عليه لقب (سنفور)، كان دائم الحديث بشكل لا يجعلك تمل منه بتاتاً، يرتدي زيه الكشفي باحترام شديد وكانه جندي يعرف واجبه، وعلى الرغم من صغر سنه الا ان المجموعة الكشفية تسير ورائه ويقودها هو، كم هي جميلة تلك الابتسامة التي لا تختفي عن وجهه....
وفي كل عام تمر ذكرى عيد الأم كان السباق لزيارة امهات الشهداء والأسرى يخفف عنهن ويطلب منهن ان يعتبرنه ابنهم الشهيد او الأسير وكم كن ينتظرن قدومه في كل عام يحمل الزهور والورود في زيه الكشفي الذي يزيده تألقاً وجمالاً.....
محمد ولد في الكويت وعلى الرغم من ذلك فحبه للوطن لا يوصف دائم الحديث عن الشهداء سواء كان يعرفهم او لا، كان يستذكرهم دوماً في كل جلسه وفي كل حديث، سألته مرة: الا تتمنى ان ترجع للكويت فهناك الحياة اسهل واجمل؟؟
اجابني ببتسامته الرائعة: هنا الحياة الحقيقية ليست هناك، هنا ارضي واهلي، هنا من ضحى بعمره لهذه الارض
قلت له: ولكنك لم تعي الانتفاضة الأولى
اجاب على الفور: لكني احس بانني ولدت فيها وعشت كل احداثها واعرف جميع شهداءها
ضحكت على سرعة اجابته فبادرني بابتسامة ثم قال: كم اتمنى أن تعود تلك الايام وساريك ماذا سأفعل....
تمر الأيام وذلك الشبل لا يكف عن الحركة والتنقل يحمل في جيبه بوصلة بشكل دائم لا اعرف لما، ويحمل ورقة كتب عليها جميع بياناته وكانها بطاقة هوية كان يتعجل الأيام ليصبح شابا كبيراً.....
وفي اواخر شهر سبتمر 2000 اندلعت انتفاضة الاقصى، احست ام محمد بأن ابنها الصغير سيشارك بكل تاكيد فيها فهو من ينتظر هذا اليوم ولأنه صغيرها فقد كانت تحرص عليه كل الحرص وتحاول منعه من الخروج للمواجهات، فما كان منه الا ان يطمئنها ويخبرها انه في هذه السنة همه الوحيد هو دراسته فهو يطمح في الحصول على شهادة ترفع رأس والديه....
والده الذي مازال يعمل في الكويت بقي متسمراً أمام التلفاز يرى الأحداث الدائرة في الوطن المحتل فيقفز محمد يحمل حجراً يضربه باتجاه جنود الأحتلال ويركض، فرك عينيه مرة وثانية ليتأكد نعم انه محمد على الفور امسك سماعة الهاتف وطلب السنفور ليتحدث معه: محمد شو وداك على المحسوم يابا مش ناقصنا يصير فيك اشي
يرد محمد بكل هدوء: انا؟ انا ما رحت لا على محسوم ولا على اشي، بعدين انت امتى بدك ترجع اشتقلتلك كتير
الاب: قريب ان شاء الله بدك اجيبلك اشي معي
محمد: اه بدي بجامة وبدي ترجع بسرعة علشان السنة انا شادد حالي في الدراسة وراح تشوف شهادتي الي بتشرح النفس
تنهد الأب: ان شاء الله يا محمد بس دير بالك على حالك
اغلق الهاتف وهو متاكد من انه هو من كان يرشق جنود الاحتلال لكنه ابتسم وهو يتذكر مقدرة ابنه على التنقل من موضوع لاخر بكل سهولة، وفي اليوم التالي خرج ليبحث لمحمد عن ملابس وهدايا فهو يفكر جدياً في العودة للوطن....

في صباح 1/10/2000 خرج محمد الى مدرسته ككل يوم وعاد ليتناول طعام الغداء مع عائلته جلس يحدثهم عن ما حصل معه ويشرح لهم بالتفاصيل الدقيقة كل حدث، بعد الغداء احست امه بانه يحاول الخروج فطلبت منه مساعدتها في المنزل لم يردها فهو لم يعتد ان يرفض لاحد طلب كيف لو كانت والدته، ارهقته بالعمل حتى تضمن عدم خروجه للمواجهات، ساعدها في كل ما طلبت وانسل بعدها واعداً اياها بعدم الذهاب للمواجهات، لبس قميصاً وبنطالاً جديدين ووضع عطراً وقال لامه: ها شايفة كيف بدي اروح على المواجهات وانا لابس هيك، بس كيف مش كاني عريس
ضحكت امه وتمنت ان تراه عريساً ودعت له

بعد عدة ساعات انتشر الخبر سريعاً (محمد استشهد) كانت صدمة فهو الطفل الذي يحمل كل معاني الحياة هو الشبل الذي كان يقتدي به كل اقرانه، صغير العائلة والحي استشهد كيف...
حملته سيارة الاسعاف سريعاً نحو المستشفى لكن الروح كانت قد صعدت الى السماء فالرصاصة لم تمهله فقد كانت في الرأس مباشرة
ذهب محمد لم يودع احد لكنه أوفى بوعده لوالديه فقد كان دائماً يردد (راح اجيبلكم احلى شهادة ترفعوا راسكم فيها) كان يعرف انه سينال الشهادة فقد وجدوا في جيبه ورقة كتب عليها:
انا اسمي الشهيد محمد نبيل داوود
عمري 13 سنة
العنوان البيرة .......
هاتف:......
لمن يجد هذه الورقة اخبار اهلي بانني استشهدت

لم تكن تلك الورقة التي حملها على اساس انها بطاقة هويته لا لقد كانت ورقة لتدل من يجده على عنوان اهله لانه يعلم انه سيستشهد ……

3 Comments:

Post a Comment

<< Home