azzajabr

Monday, December 20, 2004

قتل، دمار، قنابل، حواجز… هل جربتم؟؟؟

في مدينتي الرائعة رام الله التي أعيش فيها منذ طفولتي تلك المدينة التي طالما حلمت في أن احل لغزها فهي في نظري مدينة التناقضات رغم صغر مساحتها إلا أنها تحوي ما تشاء مثقفين جهال متعلمين أغنياء جداً جداً فقراء جداً جداً يسكنها أجانب من جميع الجنسيات فترى في شوارعها الأمريكي الفرنسي الياباني حتى الهندي ووجودهم فيها إما للعمل في سفارات تابعة لبلادهم أو للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.
أذكر مدينتي العزيزة خلال الانتفاضة الأولى كنت في المرحلة الابتدائية والإعدادية ولكني أذكر جيداً تلك الأيام حين كان جنود الاحتلال يداهمون مدرستنا ويطلقون النار علينا ونحن داخل الصفوف تلك الأيام لا تمحى من ذاكرتي، حين كانت حقائبنا المدرسية تفتش تفتيشاً دقيقاً وكأننا نحمل بدلاً من الكتب قنابل نووية، كنت اشعر بالقرف الشديد حين يلمس جندي الاحتلال حقيبتي وارجع إلى البيت اجبر والدتي على غسل الحقيبة مراراً وتعقيمها فقد كان لمسه لحقيبتي بمثابة تعذيب نفسي لي. كنا قليلاً ما ندرس في مدارسنا فقد كان الاحتلال يغلقها باستمرار ولكنا كنا نصر على أن نتعلم فيتفق معنا أساتذتنا في المدارس لنجتمع في الجوامع وندرس كان تحدي وما أجمل أن تتحدى وتنجح.
كنت أحس بالكآبة تحوم حول مدينتي فكل يوم شهداء وكل يوم أسرى دخان أسود يتصاعد في السماء ما بالهم إلى متى سيبقون هنا متى ستزول هذه الغمة؟؟ كنت أبكي ولا أعلم لما كان كل شيء يحزنني وكنت أحس أننا منقطعين عن العالم فلا اتصالات ولا بريد وأبي وأمي ممنوعان من السفر لأنهم كانوا يناضلون ضد الاحتلال.
وجاءت أيام الهدوء والسلام فبعد معاهدة أسلو وانسحاب الجنود من المدن الفلسطينية الرئيسية كنا نظن أننا على ضفاف الدولة المستقلة صرنا نرفع العلم الفلسطيني ونحمله بشفع فكم حرمنا منه كان كالمواد الممنوعة تصادر ويعاقب حاملها، لكننا الآن نرفعه وننشد نشيد الوطن في مدارسنا ما أجملها من لحظات بكيت حين رأيت العلم يرفرف فوق مدرستي والكل يردد نشيد الوطن:
فدائي فدائي فدائي يا أرضي يا أرض الجدود
فدائي فدائي فدائي يا شعبي يا شعب الخلود
بعزمي وناري وبركان ثاري وأشواق شعبي لأرضي وداري
سأحيا فدائي وأمضي فدائي إلى أن تعود…
كنت أدرك حينها أن المسيرة مازالت مستمرة وأن التحرير لم يكتمل وأن الديار لم تعد فهناك حيفا ويافا وهناك قريتنا التي هُجّر جدي منها عام 48 (كفر سابا) والتي لطالما حلمت بها عروساً رائعة الجمال.
وتمر الأيام وتسير الحياة بشكل طبيعي مهرجانات صيفية، رحلات مدرسية، سفر خارج فلسطين، وبعد فترة دخل الانترنت وصرنا نحادث العالم ونشعر أننا جزء منه. ولكن يبدو أن أيام الرخاء لا تستمر في بلادي فيوم اندلاع انتفاضة الأقصى يوما لا ينسى ولكن لم نكن نتوقع أن الأمور ستوصلنا إلى هذا الحد، يبدو أن معادلة هذه الانتفاضة تختلف كلياً عن سابقتها، فهنا أغلقت كل مداخل المدن وأصبح القتل أكثر بكثير وخاصة من الأطفال، لا أنسى يوم علمت باستشهاد الفتى محمد شبل صغير كان عضواً في كشاف أعمل به، صدمت جداً كان ذلك في اول أيام الانتفاضة عجزت وقتها عن قول أي شيء وكانت تلك المرة الأولى التي أسير فيها بجنازة وكانت المرة الأولى التي أحس أن شيء من جسدي قد مات، وصار القتل اليومي شيء من دورة الحياة في مدينتي فهذا الطفل عمرو ابن التاسعة يستشهد من جراء إصابة في عينه قتلته، ذلك الفتى يسكن في الحي الذي أعيش فيه، أبيّ ابن الست سنوات قتل وهو في بيته وعلى سريره أتت رصاصة من مستوطنة قريبه منه، وغيره وغيره حتى أصبحت أحس أن كل شيء في جسدي قد مات ولم يتبقى لدي شيء تمنيت الشهادة كل يوم حتى لا أحزن على من يذهبون ولا يقولوا الوداع.
صار القصف شيء روتيني حتى أن شقيقتي الصغرى قالت لي يوماً أتعلمين لم أعد أستطيع الدراسة بلا قصف وإطلاق نار وكأن الشيء أصبح إدمان.
الطائرات تحوم في سماء مدينتي الحبيبة تلك التي أخبرتكم عنها في البداية ولكن هذه المدينة بقيت محافظة على روحها الطيبة وعلى حياتها فلا أرى الكآبة كما البداية بل أرى تحدي من نوع آخر الجميع يعيشون حياتهم أو يحاولون. يُفرض منع التجول علينا ياههههههه لقد نسينا (ممنوع التجول والي يطلع من بيته بنطخه) هذه الكلمات قد نسيناها ولكنهم أعادوها كما الأمس ولكن يبدو أننا نكبر وتحدينا يكبر بالأمس كنا نتحدى لندرس واليوم نتحدى لنرفع رؤوسنا عالياً، فاليمنعوا التجوال فلن نأبه، وليغلقوا المدن فهذه بلادنا ونحن أعلم بها يغلقون طريق نجد ألف طريق، ونسير فوق الأشواك والوعر وتحت الشمس والمطر، لكنها بلادنا كل شيء بها جميل، وليقتلوا فكلنا فدا الوطن وكل يوم تنبت هذه الأرض أشبالاً وزهرات. يهدمون منازلنا ولا نأبه فكل الوطن منزلنا…


قتل، دمار، قنابل، حواجز… هل جربتم؟؟؟


6 Comments:

  • At December 20, 2004 at 4:56 AM, Blogger Mohammed said…

    هل رام الله مدينة محاصرة طوال الوقت ؟ و هل يوجد بداخلها حواجز اسرائيلية ؟ و مقر الرئيس الراحل بالمقاطعة هل كان الاسرائيليون يحيطون به ؟
    و هل حضرت دفن الرئيس عرفات الله يرحمه؟
    و شكرا

     
  • At December 21, 2004 at 3:28 PM, Blogger ihath said…

    يسعدني جداً أن أجد مدونه من داخل فلسطين....سوف أقرأ موقعك على الدوام

     
  • At December 22, 2004 at 4:51 AM, Blogger azza said…

    الاخ محمد
    شكرا على سؤالك
    مدينة رام الله ليست محاصرة دوما ولكن يدخلها جنود الاحتلال متى ارادوا يطلقون النار يعتقلون يفعلون ما يشاؤون
    داخل المدينة لا يوجد حواجز ولكن اذا اردت الخروج منها هناك الكثير من الحواجز الاسرائيلية بانتظارك
    بيتي قريب من المقاطعة التي حوصر فيها الرئيس رحمه الله لقد كانت تلك الايام اسوء ما مر علينا وايام طويلة كنا نعتقد ان سقف المنزل سوف يسقط على رؤسنا من كثرة القذائف
    ويا اخي من منا لم يحضر جنازة الرئيس ومن منا لم يبكيه
    اشكرك على مرورك

     
  • At December 22, 2004 at 4:52 AM, Blogger azza said…

    اخي ihath
    اشكرك على تواجدك في صفحتي
    ودام لي مرورك الكريم
    مع الاحترام

     
  • At January 5, 2005 at 11:43 PM, Blogger Dina El Hawary (dido's) said…

    I am happy to see your blog ... you words are very touching !
    الله معاكم ... و النصر قادم لا محال إن شاء الله

     
  • At January 6, 2005 at 2:37 PM, Blogger BLUESMAN said…

    سلام
    من الجانب الاخر من العالم العربي من المغرب ابعث لك أختي بتحية صادقة ماتزال فلسطين دائما في القلوب أما رام الله فقد زرتها من خلال الكتاب الرائع لمريد البرغوثي
    يسعدني أم أقرأك وكالعديدين أنتظر يوميا جديدك
    سلام

     

Post a Comment

<< Home