azzajabr

Wednesday, May 04, 2005

اجازة عيـــد



أيام قليلة ويأتي العيد أفكر في عمل مفاجئة لزوجتي والأولاد، لن أدعهم يقضون إجازة العيد في البيت مثل كل سنة، كم أشفق عليهم حين أقارن بينهم وبين الأطفال في العالم متنزهات ملاهي ألعاب، حتى الألعاب يصعب عليّ توفيرها لهم باستمرار.
- في ماذا تفكر
أفقت على صوت زوجتي
- أفكر في العيد
- توكل على الله ستفرج إن شاء الله
- أنا لا أفكر في مصاريف العيد، فهذا العيد لن اشتري ملابس للأولاد ولن أعطي أحد عيديه
- ماذا؟؟ إنه العيد هل نسيت؟؟ ثم أني جمعت مبلغاً صغيراً سيساعد أكيد في المصاريف
- جيد ممتاز نعم اعطني المبلغ الذي بحوزتك وأعدك بعيد سعيد إن شاء الله أنت والأولاد
- حسناً
ابتسامتها وهي ذاهبة لإحضار النقود أسعدتني، آه كم أحمد الله الذي أهداني هذه الزوجة الصالحة الصبورة
- تفضل هذا هو المبلغ
- رائع، ولكن لن اشتري شيء لا ملابس ولا أي شيء آخر
- لماذا يا رجل ألا تكفي النقود التي بحوزتك مع هذه النقود
- لا لا إنها ستكفي إن شاء الله ولكن ليس للملابس والحلويات إنما لمفاجئتي
- مفاجئة؟؟؟ أية مفاجئة؟؟
- انتظري يوم العيد وسترين أنت والأولاد
مرت الأيام القليلة الفاصلة بيننا وبين مفاجئتي وأولادي ينتظرون على أحر من الجمر، وقد حاولوا استدراجي عدة مرات ولكني بقيت مصراً على موقفي، أصبحوا ينامون ويحلمون بالمفاجئة والكل يضع توقعاته ولم يفلح أحد في معرفة ماذا أخبئ لهم.
وجاء اليوم الموعود، استيقظ أولادي الأربعة باكراً جداً ولبسوا ملابسهم القديمة في أول أيام العيد، لم يكن هذا همهم فقد كانوا يتشوقون لمعرفة مفاجئتي السارة، قبلتهم جميعاً وتمنيت لهم عيداً سعيداً وقبلوا يدي ويد والدتهم وعيونهم متعلقة بعيوني يرجونني أن أخبرهم بما اخفي سريعاً
- اسمعوا يا أولاد
- نعم نعم يا أبي تفضل
- هل تحبون رؤية البحر
اتسعت عيونهم ونسوا أفواههم مفتوحة لفترة
- بحر؟؟ أي بحر؟؟
- البحر ألا تعلمون ما هو البحر
رد علي ابني الكبير
- نعلم يا أبي ولكن ماذا تقصد بأن نرى البحر؟ هل سنسافر
- نعم سنسافر
عمت الفوضى في أرجاء بيتي الصغير، وصرت اسمع أسماء دول كثيرة تتردد على ألسنة أبنائي
- سنذهب إلى تركيا
- لا لا إلى مصر
- أنا أريد أن أذهب إلى أوروبا
وحتى أوقف المعارك التي بدأت تنشب بين أبنائي صرخت بهم وقلت بكل ثقة
- يا أبنائي سنذهب إلى أريحا
عم صمت مفاجئ، يبدو أن ما خططت إليه باء بالفشل، ولكن ما هي إلا لحظات حتى قامت ثورة أخرى يهتفون بها بحياتي وببقائي بينهم، ياه كم هو جميل هذا الشعور، كم أنا سعيد الآن وكأنني حصلت على مليون دولار دفعة واحدة، مليون ماذا لا لا إن فرحتهم هذه لا تقدر بملايين العالم كلها.
بدء الاستعداد وما أسرعهم في تحضير ملابسهم وأنفسهم
- أبي كم يوم سنقضي هناك
- سنقضي أيام العيد كلها
- يعيش بابا يعيش
- وأين سننزل يا زوجي العزيز
- هناك فنادق رخيصة سننزل في احدها، المهم أن نمضي وقت ممتع على البحر
- بابا هل سنصطاد سمك؟؟
- سمك؟؟ لا لا يا بني البحر الميت لا يوجد به أسماك
يبدو أن فكرة عدم وجود اسماك لم تعجب ابني الصغير فها هي دموعه تتساقط
- ولكن في التلفاز شاهدت في البحر أسماك كثيرة
- نعم يا بني صحيح البحر فيه اسماك كثيرة، ولكن البحر الذي سنزوره لا يوجد به أسماك، هيا هيا يا أولاد لقد اتفقت مع سيارة وستأتي بعد قليل كونوا على استعداد
وما أن أخبرتهم بذلك حتى حملوا حقائبهم وخرجوا ينتظروا السيارة وعلى وجه كل منهم ابتسامة عريضة وأحلام كثيرة وتخيلات للأيام التي سنقضيها هناك.
وصلت السيارة وجلسنا فيها وبدأت رحلتنا الرائعة والتي اضطرتني إلى الاستدانة فوق النقود التي كنت قد خصصتها لهذه الرحلة، ولكن كل شيء غير مهم الآن المهم أن يفرح أطفالي بهذا العيد، وقفت السيارة فجأة وقطعت علي أفكاري
- ماذا هناك لماذا توقفت؟
- ألا ترى يا أخي هناك حاجز عسكري
- أوف هذا ما لم يكن في التوقعات
- لا تخف اليوم عيد وعلى الأغلب سيكون هناك تسهيل على الطرق
- إن شاء الله
نظرت في المرآة لأرى وجوه أطفالي الحالمة، ابتسمت واطمئن قلبي على أنهم مازالوا يحلمون ولم ينزع الحاجز العسكري حلمهم
- هوية خبيبي
يا له من صوت مزعج رغم اعتيادنا عليه، أخرجت بطاقة هويتي وأعطيتها له أنا والسائق
- وين رايخين
- على أريحا (أجاب السائق)
- اريخا؟؟ ليش
- الأخ حابب يعيد مع عيلته هناك، في مانع
- لا لا خبيبي ما في مانع عيد سعيد يالله روخ
الحمد لله، يا رب هونها (هتفت بسري)، نظر إلي السائق وكأنه قرأ ما أفكر به
- لا تخف يا أخي إن شاء الله ستكون الطريق سهله
- إن شاء الله
سرحت في الطريق، وبدأت الأحلام تداعبني من جديد، أطفالي يركضون حولي فرحين، سماء زرقاء، بحر أرى ضفته الأخرى، ضحكات أطفالي عالية عالية عالية…
- هوية
استيقظ من حلمي ثانية على نفس الصوت يا له من صوت بشع قبيح، يهمس السائق في أذني
- الهوية يا أستاذ
- آه نعم نعم تفضل
- إنزل خبيبي من السيارة
نزلت أنا والسائق لكنه هز رأسه بالنفي
- لا كلكم انزلوا
- بس هدول صغار يعني…
- ما يعني اشي بخكي انزلوا يعني (ورفع بندقيته في وجهي)
لم تكن هذه البندقية لتخيفني ولكني خفت على أطفالي من أن يروا والدهم يهدد تحت أعينهم، فأمرتهم بالنزول وطمأنتهم إلى أن كل شيء يجري على ما يرام ولا خوف من شيء، فتش الجنود السيارة قطعة قطعة ونحن ننتظر والوقت يمر، بقينا على هذا الحاجز ساعة كاملة، شعر أولادي بالملل الشديد، وشعرت أنا بالقهر فليست هذه هي الإجازة التي كنت أحلم بها، ولكن لا بأس سنمضي بعد قليل وسيكون كل شيء على ما يرام، أمرنا الجندي بالصعود إلى السيارة وتمنى لنا عيد سعيد وعلى وجهه نظرات شماتة وكأنه يخبرني أنه عرف كيف ينغص عليّ العيد، لم أعر نظراته أي اهتمام وبدأنا بالسير من جديد وعادت نظرات السعادة إلى وجه أطفالي وعاد إلي حلمي، لكن حلمي البسيط هذا يزعج دولة إسرائيل ففي كل مرة اندمج فيه يوقظني صوت جندي إسرائيلي قبيح، هذا هو الحاجز السادس الذي يوقفنا ويفتش سيارتنا بالقطعة، ذهبت الابتسامة عن وجه أطفالي رغم محاولاتي الكثيرة لبث الأمل فيهم بأننا على مشارف أريحا ولم يبقى سوى وقت قصير حتى نصل، لكن دون فائدة، نظرت إلى ساعتي إنها الرابعة عصراً ياههه لقد خرجنا منذ السابعة صباحاً ولم نصل حتى الآن؟ يبدو أن أوروبا وصولها أسرع من أريحا، أيقظني صوت السائق
- يا أستاذ هذا هو الحاجز الأخير إن شاء الله إن استطعنا عبوره خلال دقائق سنكون في المدينة
- وإن لم نستطع
- وقتها لا يمكننا سوى العودة إلى رام الله
اتسعت أعين أبنائي حين سمعوا بكلمة العودة وأحسست أن دموعهم تنحصر في مقلهم استعداداً للانطلاق في الوقت المناسب أي حين العودة، جاءنا البشع وابتسامته تملئ وجهه وتزيده بشاعة
- اخلا اخلا وين رايخين
- بدنا ندخل على أريحا (أجاب السائق بكل لباقة)
- وليش يا خبيبي؟
- الأستاذ حابب يعيد مع عيلته في أريحا
- والله طيب منيخ ومن وين انتو؟
- من رام الله
- وليش ما تعيد في رام الله؟؟
- يعني من باب التغيير
- بس أنت مش عارف انه المدن مسكرة خبيبي
- لا والله ما بعرف ليش خير شو في؟؟
- خير لا ما في خير أنت ما بتسمع أخبار؟
- بسمع بس اليوم ما سمعت
- خبيبي في يهودي مات في جزر الهاواي وهو عم يشم هوا مع عيلته
- طيب واحنا شو خصنا؟؟
- كيف خبيبي مش ممكن يكون فلسطيني قتله؟؟
- فلسطيني في جزر الهاواي؟؟
- آه شو يعني، ما في اشي غريب عنكم؟
- طيب يعني ما بنقدر ندخل على المدينة؟
- أنت ما بتسمع؟؟ بس نعرف مين الي قتل اليهودي بنسمحلك تدخل، مش يمكن يكون من نفس عيلتك
_________
عدنا أدراجنا والخيبة تملئني والحزن يغطي على وجه أبنائي، كم كنت أحلم أن أجعل هذا العيد شيء مختلف، كم يقتلني شعوري الآن، وكم أخجل من نظرات أبنائي، أكان حلمي كبير لهذه الدرجة ؟؟؟